مقدمة.
من المؤكد أن الغاية من النظام التعويضي المستحدث هو تمكين المضرور من الحصول على تعويض فعلي، لان الأساس من قيام المسؤولية المدنية هو تقديم المسؤول تعويض ملائم للضرر الذي سببه للمضرور( الضحية) ،فالغاية من ضبط المشرع الجزائري للحماية القانونية في المسؤولية المدنية هي توفير الإطار القانوني الذي يمكن المضرور من مطالبة المسؤول بالتعويض .
لكن في ظل
التطورات الراهنة ، باتت المسؤولية المدنية بشقيها لا تستطيع استيعاب كل الاضرار
الواقعة ، واصبح عدد المضرورين يتزايد بتزايد التطورات بشتى أنواعها ، مما أدى إلى
قصور في الاطار القانوني المذكور أعلاه .
لذا استحدث
المشرع الجزائري سبل و آليات جديدة لجبر والتعويض عن الأضرار ، لأنه من غير
المعقول أن لا يلتفت المشرع إلى هؤلاء الفئات الموجودة في المجتمع .
هذا ما يجعلنا نتسائل : كيف استحدث المشرع الجزائري نظام التعويض في المسؤولية ؟ و ماهي الآليات القانونية المعمول بها لدرء الخطر و جبر الضرر ؟
أولا: مفهوم التعويض ؟
من المعروف أن قوام المسؤولية المدنية هو
إعادة التوازن مختل الواقع بسبب الضرر ، حيث يتحدد نطاق هذا الاخير على أساس الأذى
الذي لحق المضرور .
ثانيا : متى ينشأ الحق في التعويض ؟
قد يتبادر الى أذهاننا سؤال : متى ينشئ الحق
في الحصول على تعويض ، هل من يوم وقوع الفعل الضار؟ أم من يوم صدور الحكم القضائي
؟ و تتجلى اهمية هذا التساؤل في عدة نقاط
من بينها :
- لحساب مدة التقادم ( المادة 133) .
- لأنه من وقت وقوع الفعل الضار يحق للمضرور
رفع دعوى .
- إذا كان المسؤول قد أمن نفسه ، هنا يحق
للمضرور الرجوع الى شركة التأمين .
- في المسؤولية العقدية عند الاخلال بالتزام عقدي كدفع مبلغ من النقود ، في هذه
الحالة يقدر القاضي التعويض عن الضرر بالاضافة الى تقدير التعويض عن الفوائد
التأخيرية .
اذن ينشأ الحق في التعويض منذ وقوع الفعل
الضار لأن هذا الاخير مصدرا للتعويض أما الحكم القضائي فهو كاشف للحق بمعنى كان موجودا و تم الكشف عنه
.
ثالثا : ماهي أشكال التعويض ؟
باستقراء نص المادة 131 و المادة
132 نجد أن الاصل في التعويض يكون نقدي ، اما بالتقسيط او مرتب ، دائم أو مؤقت
بحسب العجز تبعا للظروف .
ونجد في الفقرة الثانية من المادة 132 تنص
على التعويض العيني و التعويض غير النقدي مثل: ازالة الفعل الضار .
ويوجد كذلك التعويض المعنوي وهو عبارة عن
اداءآت معنوية ، كرد الإعتبار مثلا .
لكن من الاجدر التنويه الى الفروقات الناتجة
من المسؤولية العقدية و المسؤولية التقصيرية من ناحية طريقة تقدير التعويض ، فبالنسبة
الى المسؤولية العقدية يكون التعويض طريق
إستثنائي لأن الأصل هنا التنفيذ العيني + التعويض عن التأخير، وإن لم ينفذ المدين
إلتزامه يجد القاضي نفسه مضطر إلى ممارسة الضغط بالوسائل المخولة له في التنفيذ
العيني مثل الغرامة التهديدية فإذا تعنت المدين في الغرامة التهديدية يقوم القاضي
بتصفية الغرامة التهديدية و تصبح تعويض من نوع خاص و تترتب المسؤولية العقدية على
أساس ما أصاب الدائن من خسارة و مافاته من كسب + عنصر التعنت .
إذن القاضي في المسؤولية العقدية مقيد في كيفية تقدير التعويض لأن الارادة يجب أن تحترم، أما بالنسبة للمسؤولية التقصيرية، القاضي حر في اختيار الشكل الملائم تبعا للظروف (القاضي يأخذ كثيرا بالمعيار الذاتي) و الملابسات و بناءا على طلب المضرور بحكم أن المسؤول و المضرور لايعرفون بعضهم البعض .
كما تؤكد المادة 131 أن وقت تقدير التعويض يكون يوم صدور الحكم بالرغم من نشوء الحق في التعويض من يوم وقوع الفعل الضار كما ذكر أعلاه .كذلك هذه المادة توضح لنا الفرق بين المسؤول و المضرور من ناحية تغير الضرر بالزيادة أو بالنقصان ، فبعد صدور الحكم بالتعويض مكن المشرع الجزائري المضرور في إعادة النظر بشأن تقدير التعويض بالزيادة بغية الحصول على تعويض إضافي ، لكن هاته المادة تجعلنا نتسائل أين المسؤول من كل هذا؟
ومن الملاحظ ان المشرع سكت بالنسبة لإعادة
النظرفي حالة تغير الضرر بالنقصان من قبل المسؤول ، بحيث يستفهم من هذه الحالة أن
الغاية الأسمى التي يسعى إليها المشرع من تنظيم التعويض في المسولية هو حماية
المضرور و جبر الضرر .
رابعا : ماهي أنظمة التعويض ؟
أ- تنظيم الدولة للضمان الإجتماعي :
للتأمين
دور كبير في تطور نظام التعويض لأنه مكن المضرور من الإستفادة بسرعة و سهولة من
التعويض ، فبمجرد تحقق الخطر محل التأمين و بتقديم المضرور الوثائق التي تثبت
الضرر الواقع يتحصل فوريا على التعويض .
و التأمين يتخذ عدة أشكال منها :
1- تأمين إجتماعي : مثل تأمين العمال في
العديد من الحالات كالمرض ، الأمومة ، حوادث العمل ، الشيخوخة ، البطالة.
2- تأمين إقتصادي : غالبا ما نشهده في مجالات
التجارة و الصناعة " كالتأمين على السرقة ، الحريق ، هلاك المحاصيل الزراعية
، التأمين على الكوارث الطبيعية " .
3- التأمين على المسؤولية المدنية : كمسؤولية
التابع ، رب العمل ، الناقل ، الحرفي ، المنتج .
4- التأمين على الأشخاص : في حالة الموت ،
المرض ، الإعاقة .
ب- التعويض الاحتياطي للدولة :
يوجد حالات يتعذر على الضحية الحصول على
تعويض من المسؤول اما بسبب انتفاء المسؤولية المدنية بنوعيها ، فمن غير المعقول
ترك الضحايا بدون تعويض لان الغاية من قيام المسؤولية هو جبر الضرر لذا استحدث
المشرع الجزائري مسؤولية جديدة عندما لا تسعفنا المسؤولية المدنية في تعويض
المضرور بموجب المادة 141 مكرر 1 ، حيث ترتب هذه الأخيرة مسؤولية الدولة عن
الافعال الضارة الجسمانية التي يرتكبها مجهولين .
وبات من غير المعقول عدم الإلتفات لهؤلاء ، وتركهم يعيشون مأساتهم من دون منحهم تعويضات ، لذا سن المشرع قانون 90_20 يتعلق بالتعويضات الناجمة عن قانون العفو الشامل .
وكذا المرسوم التنفيذي رقم 97-49 المتعلق
بمنح تعويضات و بتطبيق تدابير متخذة لصالح الأشخاص الطبيعين ضحايا الاضرار
الجسمانية المادية التي لحقت بهم نتيجة أعمال إرهابية أو في إطار مكافحة الإرهاب .
كما اصبحت حوادث المرور من المخاطر الإجتماعية وقد خرجت من نظام المسؤولية من خلال خضوعها لنظام خاص في الأمر رقم 15-74 المتعلق بتعويض ضحايا المرور .
خاتمة.
في الأخير وصلنا إلى أن العلاقة بين المجتمع و المخاطر علاقة وثيقة و طبيعية بطبع أن الإنسان كائن إجتماعي ، لذا المشرع اهتم بالنظام التعويضي و أطر له نظام خاص، و أدخل عليه تعديلات و استحداثات تلائم الأضرار الواقعة و تشبع حاجات الأفراد عن طريق التعويض، لأن هذا الأخير يساهم بنسبة كبيرة في درء كل السلوكيات المخلة بالأمن العمومي .
جميع حقوق الملكية الفكرية والعلمية محفوظة لموقع helper amir. يُمنع استخدام أو إعادة نشر أي محتوى دون ذكر المصدر والرابط الأصلي، وأي مخالفة تُعدّ انتهاكًا لحقوق المؤلف وفق القوانين المعمول بها.