-->

تنامي الجريمة في المجتمع الجزائريّ في ظلّ تفشي فيروس كورونا " كوفيد 19"

حجم خط المقالة

    

تنامي الجريمة في المجتمع الجزائريّ في ظلّ تفشي فيروس كورونا " كوفيد 19"

بقلم : الباحثة أفتيس أسيا.


مقدمة :

        إنّ المتتبّع لتطوّر الجريمة، يلاحظ بوضوح أنّ هناك تصاعدا خطيرا في مجال الجريمة داخل المجتمع، فالإحصائيات الجنائيّة تؤّكد هذه الحقيقة التي أصبحت من أشدّ الأخطار التي تهدّد المجتمع الإنسانيّ، و المجتمع الجزائريّ، حيث سجلت في السّنة الأخيرة بعد تفشي فيروس كورونا المستجد ارتفاع في نسبة الجريمة، إذ عرف المجتمع الجزائريّ تنامي غير مسبوق في حجم الجريمة بصفة عامة و العنف بصفة خاصة، فأصبحت  الظّاهرة تشكّل تهديدا مباشرا على حياة الفرد و المجتمع على حدّ سواء، و الملاحظ هو تعدّد أشكال الجريمة في المجتمع الجزائريّ بعد تفشي الوباء القاتل،  منها الجرائم المرتكبة ضد الأموال ( كالسّرقة بشتى أنواعها)، و جرائم مرتكبة ضد الأشخاص ( جرائم القتل و الجرح و الضّرب و الجرح العمدي و الآداب العامة و الاعتداء .. الخ) و غيرها من الجرائم .

 أمّا التّقدم العلميّ و التّكنولوجي الذي ساد العالم  فقد ساهم في خلق جرائم أخرى عصريّة و حديثة، و التي سمحت للجاني ( فرد أو جماعة منظمة) في ارتكاب الجرائم و طمس آثارها .

فالجريمة مشكلة اجتماعيّة من حيث كونها مظهرا للسلوك المنحرف لعدد كبير من الأفراد، و عليه فإنّ الجرائم المرتكبة داخل المجتمع تُفقد العديد من القيّم و المبادئ المشتركة بين أفراد المجتمع، لتأخذ محلّها مظاهر أخرى لا تساعد في تحقيق التّضامن الاجتماعيّ، بل تؤدي الى تشتّت العلاقات الاجتماعيّة و التي تتجسّد في غياب الثّقة بين الأفراد و الشّك، و على إثر انتشار فيروس كورونا اعتبر شراح القانون أنّ ظهور الجرائم و تناميها من أهم خصائص المجتمع الموبوء، و لقد تلقى هذا الاتجاه التشريعي تدخل قانون العقوبات لحماية الأفراد ترحيبا في الفقه الجنائي،  فسعى المشرع إلى القيام بإجراءات شديدة للأشخاص المخالفين (1)، الشيء الذي يفرض علينا التساؤل عن :

ماهي انعكاسات تفشي فيروس كورونا المستجد على تنامي الجرائم في المجتمع الجزائريّ ؟

        الحديث عن تنامي الجريمة في المجتمع الجزائريّ يرتبط بالعديد من المحدّدات النفسية و الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و التعليميّة و غيرها من المحدّدات، لكن هذه الدراسة رَكزت على منظور تنامي الجريمة من خلال تأثير و دور تفشي فيروس كورونا المستجد، و هو ما سيتم التّطرق إليه من جانبين: 

الأول: مؤشرات تنامي الجريمة في المجتمع الجزائريّ في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد. 

الثاني: الآليات القانونيّة لمكافحة تنامي الجرائم في المجتمع الجزائريّ على ضوء تفشي فيروس كورونا المستجد. 


أولا: مؤشرات تنامي الجريمة في المجتمع الجزائريّ في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد.

     يشير مؤشر الجريمة العالميّ أنّ الجزائر في سنة 2017 أخذت الترتيب 07 عربيا، و المرتبة 9 عالميا من بين 125 دولة تمّ قياس مستويات الجريمة فيها ، و تحصلت على المراكز العشر الأولى في الدول الأعلى في مستويات الجريمة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا، لكلّ من ( الصومال و ليبيا ، ثم العراق و مصر ، موريطانيا ثم الجزائر، لبنان و المغرب، و تونس ..) (02).

و نظرا لما يشهده العالم من تفشي  لفيروس كورونا القاتل ، فإنّ الشرطة الجزائرية حسب بيانها  قد أشارت الأرقام الرسميّة الصّادرة الى ارتفاع نسبة الجريمة في السّداسي الأوّل من عام 2020، حيث تمّ تسجيل حوالي ربع مليون جريمة، بمعدل 693 جريمة يوميّا، تورط فيها أكثر من 220 ألف شخص،  كما صنف التقرير الصّادر عن موسوعة قاعدة البيانات "ناميبو" الجزائر بنسبة 49.57% من مقياس الجريمة على مقياس الأمن و السّلامة التي تعتمد "ناميبو" في تصنيفها ، و التي تعتبر أحد أكبر قواعد البيانات في العالم (3) .

فالمجتمع الذي تتفشى بداخله الجريمة يكثر فيه الصدام بين أفراد المجتمع و الدّولة، و تكثر فيه الأزمات، فقد تزعزع كيان المجتمع الجزائريّ الذي عاش وقع صدمة جديدة في ظلّ تفشي فيروس كورونا، إثر تعنيف و قتل محامية متربصّة تدعى "طرافي ياسمين" التي كانت تبلغ 28 سنة، وذلك بتاريخ 06 يوليو 2020 الماضي، حيث قتلت ياسمين (4) و خلفت تلك الجريمة أسى عميقا لدى الأسرة القانونية، هذه القضية رغم بشاعتها إلّا أنّها لم تعتبر فريدة، حيث تسجل يوميّا جرائم قتل و اغتصاب وعنف، ممّا جعل الخبراء و القانونيّين يحذرون من ارتفاع منسوب الجريمة في الجزائر بعد انتشار فيروس كورونا المستجد، خاصة أنّ الزّيادة في معدل هذه الجرائم تساهم في تغيير النظرة في المجتمع، إلى نظرة متساهلة و تستخف بها، كما أنّ تكرارها يؤدي الى عواقب وخيمة تتجسد في اختراقها لثقافة المجتمع. 

لقد وجدت أجهزة الدّولة نفسها أمام مشكلة مزدوجة، فهي مرغمة على اعادة تنظيم نفسها على نطاق واسع لتفادي انتشار فيروس كورونا  داخل المجتمع ، فيما تواجه زيادة كثيفة في الجرائم المرتكبة بعد القرارات التي اصدرتها كإجراءات احترازية ، فلم تسلم المساجد بعد قرار اغلاق دور العبادة ، فهناك من وجد الفرصة لإرتكاب جريمة السرقة ، كما أنّ اجراءات الحجر الصحي و فرض المكوث في البيت، ساعدت خدمات توصيل الأغذية بشكل كبير في تصاعد وتيرة بيع المخدرات و مختلف السّلع الممنوعة، حيث كان طلب هذه المواد في ارتفاع مذهل .

من ناحية أخرى انتشر الغش و التدليس على شبكات الأنترنيت ، و ذلك عبر مواقع الكترونية تستخدم لبيع مستلزمات مختلفة بواسطة اعلانات عن سلع وهمية .

أمّا بالنّسبة إلى منظور الأسرة الجزائريّة فنلاحظ تنامي ملحوظ في معدلات الاقبال على الطلاق تزامنا مع تفشي فيروس كورونا، و الذي لعب دورا في تنامي العنف الأسري بسبب البقاء في المنزل ، و لا يخفى على أحد الجريمة الأبشع في زمن كورونا  و هي " السعال و العطس" في وجه أحدهم، حيث تعرض عدد من الأشخاص إلى الذعر و الهلع بعد قيام المصابين بالوباء بالعطس في وجوههم، أو من خلال نزع الكمامة أو عدم ارتدائها ، و من منعطف آخر أصبح إخفاء أمر الاصابة بالمرض أكثر الجرائم في حق الانسانيّة، أو تعمد نقل العدوى التي تعتبر جريمة مع سبق الاصرار و الترصد (5).

و للإعلام في الوقت الرّاهن دور بارز في تنامي الجريمة، حيث أصبحت أخبار القتل و السّرقة و الإغتصاب حاضرة يوميّا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عند عرض تفاصيلها و مجرياتها، إذ أدى تداول الأخبار  الصادمة لمجريات الجرائم في وسط المجتمع الجزائريّ إلى إعادة تشكيل الوعي لمفهوم الجريمة بطريقة غير مباشرة مما زاد من تنامي الظاهرة و تفاقمها (6).


ثانيا: الآليات القانونية لمكافحة تنامي الجرائم في المجتمع الجزائريّ على ضوء تفشي فيروس كورونا المستجد .

     على ضوء إدراك المخاطر و الأضرار الكبيرة التي تُخلفها الجرائم بمختلف أنواعها، و رغبة في إيجاد آليات مكافحة جديدة ، قامت الدّولة بإتباع سياسة جنائية في مجال الجرائم المنتشرة بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، فرغم أن القانون الجنائي يتميز بأنّ أحكامه من النظام العام، و يتعلّق بمصالح وأمن الدولة و الجماعة، و لا يجوز الاتفاق على ما يخالف تلك الأحكام تحت أيّ وصف كان، إلاّ ما هو منصوص عليه في القانون .

لابد من القول أنّ الأمر يختلف تماما إذا ما تعلّق بجريمة  اُرتكبت في ظلّ تفشي فيروس كورونا ، حيث اضطرت أغلب التشريعات المٌقارنة للخروج عن القواعد العامة في التجريم و العقاب و المسؤولية الجزائية و كذا الإجراءات المتعلّقة بالدعوى الجنائية، ممّا أدى إلى اضفاء طبيعة خاصة على الجرائم المٌرتكبة تحت ظلّ تفشي فيروس كورونا، و التي جعلتها تتميّز عن باقي الجرائم الأخرى، و نظرا للآثار السلبية التي خلّفتا هذه الجرائم المٌرتكبة اثر تفشي الجائحة بمختلف أنواعها داخل المجتمع الجزائريّ(7)، و ما أحدثته من زعزعة الثقة بين الأفراد، فقد أصبحت مواجهتها من أولويات السلطة التشريعية و القانونية و الرقابية ممّا يفرض تكاتلها و تعاونها مع كافة أفراد المجتمع على نطاق ربوع الوطن، كما أنّ التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في ظلّ الوباء، و التي من خلالها زاد النشاط الاجرامي، أصبح أكثر تطورا مقارنة بالسّابق  هذا ما أدى بالدّولة لإتخاذ الاحتياطات القانونية المناسبة،  ففرض التّدابير الردعيّة لا تكفي لوحدها لحماية المجتمع الجزائريّ و أفراده، بل يجب استنفاذ التدابير الوقائيّة ووضع استراتيجيّة حلول لمواجهة انتشار الجرائم تحت طائلة انتشار كوفيد 19 ، و التي يمكن الإشارة إليها فيما يلي: 

1/ صدور المرسوم الّتنفيذي رقم 20-69 : 

و هو أوّل النصوص القانونيّة الذي نّص على التدابير الوقائيّة و تضمّن إعلان حالة الطوارئ الصّحية في الجزائر، و بإستقراء مواده نلاحظ تطرّق المرسوم في بدايته خاصة المادة 02 منه إلى إتخاذ تدابير من فيروس كورونا المستجد غير مسبوقة، و هي تدابير ردعية ذات طبيعة وقائية مسّت بحريات الأشخاص في منع الحركة و الحجز ، هذه التّدابير إن صّح التّعبير لم يتمّ تحديد مصدرها القانوني ( نصّ تشريعيّ صادر عن البرلمان أو تنظيميّ صادر عن رئيس الجمهوريّة) (8)

2/ صدور المرسوم التنفيذي رقم 20-70 : 

و هو مرسوم متعلّق بتحديد تدابير تكميلية و نصّ على الحجر الكليّ و الجزئيّ و إجراءاته، وقد نصّت الماد 16 منه على تحديد نظام التّعويض عن الأضرار الناجمة عن التّدابير الوقائية بقانون خاص (9).

3/ المرسوم التنفيذي رقم 20-127 : 

جاء من أجل استكمال التّدابير التكميليّة الموالية و ذلك بإلزاميّة إرتداء القناع الواقي و هو ما نصّت عليه المادة 13 مكرر ، مع الاستعانة بالقوّة العموميّة (المادة 17) .

 عند مخالفة إجراءات الحجر الصّحي بعد تفشي فيروس كورونا في المجتمع الجزائريّ و من  أجل ردع المجرمين و سعيا للحدّ من انتشار الجرائم تمّ صدور تدابير عقابيّة بموجب تعديل قانون العقوبات رقم 20-60، و الذي صادق عليه البرلمان في القسم الثّالث المتعلّق بالقتل الخطأ و الجرح الخطأ و تعريض حياة الغير و سلامته الجسديّة للخطر في المواد 08، 09، 10، 11، المعدّلة للمادة 290 مكرر و ما يليها(10)، هذه التعديلات تطبق عند الانتهاك المتعمد لواجب الاحتياط أو السلامة التي تعّرض حياة الغير أو سلامته الجسديّة المنصوص عليه في القانون أثناء فترات الحجر الصّحي أو خلال وقوع الكارثة و ذلك بتشديد عقوبة الحبس و الغرامة, معاقبة الأشخاص المخالفين لقواعد الحضر الصّحي و معاقبتهم مثل سحب الوثائق و فرض غرامات مثلما هو موضّح في محاضر الشّرطة جراء عدم الالتزام بالحجر الصّحي.
   من خلال ما تم التّطرق اليه، يتّضح أنّ تنامي الجريمة في المجتمع الجزائريّ على ضوء تفشي فيروس كورونا، كأحد مظاهر الانحراف الاجتماعيّ، تنعكس سلبا على جوانب عدّة من حياة الفرد، سواء كانت نفسيّة أو اجتماعيّة أو تربويّة، كون هذه الظّاهرة تأخذ أبعاد عديدة على مستوى حقل المجتمع الجزائريّ .
كما أنّه تم التوصل إلى أنّ الجريمة تعدّ أحد العوامل التي تهدّد العلاقات الاجتماعيّة وكيان المجتمع الجزائريّ، حيث بدأ يتشكّل نوع من الخوف الاجتماعي لدى الأفراد، إذ يتجنبون آثار الجرائم من خلال انسحابهم من بعض الجماعات الإجتماعيّة، بل يتعدى المحاولة لتفكيك العلاقات الاجتماعيّة و اعطائهم أبعاد أخرى، فقد أصبح تنامي الجريمة جراء تفشي فيروس كورونا أحد مؤشرات تفكك التواصل الاجتماعيّ بين الأفراد مما أدى لفقدان المعنى نحو العائلة، كمجال يقيم القرابة ( جرائم ترتكب في الوسط القرابي ) .
أمام هذا التّنامي للجرائم مع واقع تفشي فيروس "كوفيد 19" نتساءل هل نحن حقا عاجزين عن ضبط الظاهرة و فهم تفاصيلها لما تتميّز به من غموض و تعقيد كظاهرة تهدد المجتمع الجزائريّ في حالة استمرار الوباء في التفشي. 


قائمة المراجع :

1/ في الجزائر شهد قانون العقوبات عدة تطوّرات أهمّها: قانون 06-01 المؤرخ في 20 فيفري 2006، المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ  08/03/2006.

2/  مفهوم العلاقات الاجتماعيّة متوفر على:    http://www.ghorajo.com

3/ تعتمد المؤسسات الأمنيّة في الجزائر( شرطة- درك) على إحصاء كلّ الجرائم التي تمّ التّبليغ عنها لدى مصالح الأمن عبر التّراب الوطنيّ، وذلك حسب مجال اختصاص كلّ المؤسّسات ، فبالنسّبة لإحصائيات الشّرطة تقوم المحافظات الشّرطة بإرسال الحصيلة السّنوية للجريمة بمختلف أنواعها إلى مقرات أمن الدوائر التّابعة لها، و تقوم هذه الأخيرة بإرسال هذه الحصيلة إلى مقرات الأمن الولائي و التي تقوم بدورها بإرسالها إلى مديريّة الشّرطة القضائيّة (D.P.J ) الكائن مقرّها بالجزائر العاصمة، و تحتوي هذه المؤسّسة على مصلحة الاحصائيات يعمل فيها شباب أكفاء من ذوي المستوى التّعليمي العالي و خاصة في مجال الاعلام الآلي، حيث يتمّ تصنيف الجرائم إلى جرائم ضد الأشخاص و جرائم مرتكبة ضد الممتلكات .

4/ ياسمين طرافي، المولودة بتاريخ ..... متحصلة على شهادة الليسانس في الحقوق فرع ..... و شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة التابعة لنقابة المحامين بولاية البويرة ......... ( لا تنسي المعلومات كاملة عند ليندة) 

5/ المرسوم التنفيذي رقم : 20-127 المؤرخ في 2 ماي 2020  الخاص بوجوب إرتداء القناع الواقي،  الجريدة الرسمية ، العدد 17

6/ خليل أحمد ضياء الدين، الظاهرة الإجرامية بين الفم و التحليل، دار الطويعي للطباعة ، الطبعة 1( 1992)، ص 256 .

7/ الجريمة في الجزائر ، متوفر على:  ar.knoema.com 

8/ المرسوم التنفيذي رقم 20-69 المتعلق بتدابير الوقاية من انتشار وباء فيروس كورونا " كوفيد19" و مكافحته، الصادر في 21/03/2020، الجريدة الرسمية، العدد 15، ص 6

9/ المرسوم التنفيذي رقم 20-70 المؤرخ في 24/03/2020، يحدد التدابير التكميلية للوقاية من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد19) و مكافحتهه، الجريدة الرسمية، العدد 16.

10/  المرسوم لتنفيذي رقم 20-60 المعدل و المتمم لقانون العقوبات الصادر في 29/04/2020 ، الجريدة الرسمية 2، ص 10


حذار انتهاك حقوق الملكية الفكرية في هذا للموقع