-->

أحكام الزواج في القانون العربي المقارن

حجم خط المقالة

أحكام الزواج المقارن

بقلم : الباحثة بن عَليا إكرام.


مقدمة:

   اهتم الإسلام بالأسرة، ودعا إلى الحفاظ عليها وتحصينها، وحماية حقوق أفرادها، وجعلها صورة مصغرة للمجتمع، ودعامته الأولى ، وجعل لها نظاما متميزا يقيها حر الفتن؛ التي تتربص ﺑﻬا في كل وقت وحين ، وقيدها بمجموعة من الضوابط والأحكام ؛التي حددت بموجبها مسؤولية كل عضو فيها،ولما كان الزواج نواﺗﻬا الأولى التي تنشأ منها ؛أوجب لعقده أركانا وشروطا لا يتأتى إلا بتوافرها، و نفى عنه كل ما من شأنه أن يصرفه عن تحقيق غايته السامية ،ولأنه من العقود الثنائية التي تحتاج في قيامها إلى توافق إرادتين؛ لزم أن يتم برضا الزوجين لانهما أساس العقد وطرفاه،دون الحاجة إلى أية طقوس دينية ،أو تدخل سلطة مدنية لإبرامه؛ ومن ثم كان الرضا سمته البارزة .و أما الأهداف المرسومة من الزواج فتتجلى قوله تعالى "و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" سورة الروم الآية 20.

 

وعليه فقد ارتأينا طرح الإشكالية التالية: فيما تتجلى الأحكام القانونية لإبرام عقد الزواج ؟


أولا :فيما تتمثل المرحلة التحضيرية للزواج؟

   إن العلاقة الزوجية التي تربط الرجل بالمرأة إنما تبنى على أسس معنوية عمادها الألفة و حسن المعاشرة، و هذه المثل لا تأتي من فراغ، و إنما ينبغي التأسيس لها، و لهذا شرعت الخطبة كمرحلة تمهيدية للزواج، يمكن للخطيبين من خلالها تكوين قناعة مبدئية حول مقومات شخصية الطرف الآخر من خلال النسب و التدين و المال و الجمال، و هي مقومات أوصى بها رسولنا الكريم في اختيار النساء.

سنتطرق إلى تعريف الخطبة من الناحية اللغوية و الاصطلاحية.

ثانيا : ما المقصود  بالخِطبة ؟

الخطبة لغة بكسر الخاء، و خطب المرأة خطبا، و خطبة  قال الرازي في تعريف الخطبة: "خَ طَ بَ ، الخطب: سبب الأمر، تقول ما خطبك ؟ قلت: قال الأزهري: أي ما أمرك، وتقول: هذا خطْ بٌ جليل، وخَ طْ بٌ يسير، وجمعه:خطوب.

وهي في اصطلاح الفقهاء، "سؤال الرجل المرأة أمرا و شأنا في نفسها"  و هي التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة ، و هي بذلك من مقدمات الزواج و تحتاج إلى صيغة يتم بها تطابق الإيجاب و القبول، و يشترط فيها أن تكون المرأة خالية من الموانع الشرعية، و أن لا تكون مخطوبة للغير.

حكمها: الخطبة مستحبة قبل انعقاد عقد الزواج، وهي فسحة لمعرفة كلا الخطيبين طبائع بعضهما البعضوميولهما، فإذا وجدا التلاقي والتجاوب أمكن الإقدام على الزواج، باطمئنان وتعايش بأمان ومودة، مصداقا لقوله تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ الروم/ 21 .

 

ثالثاً: كيف كيفت الخطبة فقها وقانونا ؟

   الخطبة مجرد وعد بالزواج وليست بعقد. فلا تتسم بأي وصف من أوصاف العقد، ولا يترتب عليها أي أثر من آثاره. والوعد في العقود ليس له قوة العقد في ذاته ولا يترتب عليه أي أثر ما، وهذا الحكم متفق عليه في المذاهب الإسلامية ومتفق مع الفكر القانوني الحديث في العالم العربي .

   وأكثر الفقهاء لا يعطون الوعد صفة الإلزام كالعقد، وإن كان مستحبا الوفاء به لأن الوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق، وأن إخلاف الوعد من الصفات الذميمة. وعليه فإن المخطوبة تبقى أجنبية عن الخاطب وتجري عليها جميع أحكام الأجنبيات ولا يجري عليها أي حكم من أحكام الزوجية)تحريم الخلوة، عدم تحريم أقارب المخطوبة على الخاطب بمجرد الخطبة كأمها أوأختها أو عمتها...، عدم التوارث بينهما، جواز العدول عن الخطبة من أحد الطرفين دون حاجة إلى طلاق أو فسخ.

 

رابعاً: الخطبة في التشريع المقارن:

قانون الأسرة الجزائري: كيفت المادة الخامسة الفقرة 01 من قانون الأسرة الجزائري الخطبة على أنها وعد بالزواج، واعتبر هذا الوعد غير ملزم، بحيث أجاز لكلا الطرفين العدول عنها. ونصها كما يلي: الخطبة وعد بالزواج. يجوز للطرفين العدول عن الخطبة وعرف قانون الأحوال الشخصية المغربي الخطبة بأنها وعد بالزواج وليست بزواج، ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة، وما جرى به العرف والعادة من تبادل الهدايا. كما نصت مجلة الأحكام العدلية التونسية على" أن كل من الوعد بالزواج والمواعدة به لا يعتبر زواجا ولا يقضى به" وهو ما تضمنه قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة الثانية في الفصل الثالث والمادة الثانية من القانون الكويتي. واضح من خلال هذه النصوص بأن الطبيعة القانونية للخطبة هي وعد بالزواج غير ملزم، أي يجوز العدول دون قيد أو شرط.

 

خامساُ :ما هو اثر  العدول عن الخطبة ؟ 

 أما عن آثار هذا العدول، هو الضرر المترتب عن العدول وما هو حكمه؟والنزاع حول الهدايا المسلمة إلى الخاطب أو المخطوبة؛ فهل يحق للمهدي أن يطالب باسترداد ما أهداه للطرف الآخر أم لا ؟

 

سادساً: ما حكم الضرر المترتب عن العدول ؟

 لا نجد في الفقه الإسلامي من تعرض لهذا الموضوع وذلك لأسباب متعددة، أهمها اختلاف الحياة الاجتماعية والأعراف والعادات في عصرهم عن عصرنا الحالي، واعتبارهم أن التعويض لا يكون إلا لسببمن أسباب الالتزام، كالإخلال بعقد مثلا والخطبة ليست عقدا.

   أما في الفقه الإسلامي المعاصر فهناك اختلاف؛ فمنهم من يرى بأنه لا تعويض في حال العدول عنالخطبة، ومن عدل عن مخطوبته فإنما يمارس حقا من حقوقه، وقد ذهب إلى ذلك مفتى الديار المصريةالسابق محمد بخيت.ومنهم من أوجب التعويض كالشيخ شلتوت، ومنهم من يرى العدول إذا ترتب عليه ضرر مادي كالشيخ أبو زهرة، وذهب أغلبهم إلى أن التعويض يترتب إذا نشأ عن العدول ضرر مادي أو معنوي، وهو ما ذهب.

 

سابعاً: كيف يكون التعويض عن الضرر في التشريع المقارن؟

    ذهب المشرع الجزائري إلى أنه إذا ترتب عن العدول ضرر مادي أو معنوي جاز التعويض، وجاء النص على ذلك في المادة الخامسة ق.أ.ج : ( إذا ترتب عن العدول ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم بالتعويض). وترك السلطة التقديرية للقاضي يقدرها حسبما يقدم أمامه من أدلة في هذا الشأن.

يقول عبد العزيز سعد:  "إن استعمال الحق الناتج عن التعسف والمسبب للضرر يمكن أن يوجب التعويضحسب ما نصت عليه المادة 124 مكرر من القانون المدني المعدل بموجب القانون رقم 05 - 10 سنة2005، وذلك لأنه إذا كان الخاطب قد تصرف تصرفا زائدا على مجرد العدول، وسبّب ضررا ماديا أومعنويا للمخطوب الآخر أو أظهر أنه قد أساء استعمال حقه في العدول غير المبرر، فإنه يحق للمضرور أو محاميه أن يطلب الحكم له بتعويض ما أصابه من ضرر، ويجوز لقاضي شؤون الأسرة أن يحكم بالتعويض للطرف المتضرر كلما أثبت له أن الضرر ناتج عن التعسف في استعمال حق العدول".

    وعلى هذا الأساس فإن العدول عن الخطبة لا يترتب عليه أي تعويض، وإنما التعويض يكون نتيجة ما صاحب العدول من أفعال، محدثة أضرارا مادية أو معنوية بالمعدول عنه. ويمكن أن توصف هذه الظروف بأنها تغرير بالطرف الأخر الذي يوجب الضمان، ويحكم بالتعويض علىأساس المسؤولية التقصيرية، وتوافقا مع مبادئ الشريعة التي قررت لا ضرر ولا ضرار، وأن الضرر يزال شرعا،كما تتفق مع مبدأ إساءة استعمال الحق.أما مدونة الأسرة المغربية فقد نصت المادة السابعة على ما يلي:

    مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض.غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض). وفي هذا المعنى قررت محكمة النقض المصرية عام 1930 م أنه لا يترتب على العدول عن الخطبة أية مسؤولية سواء كان بمبرر أو بدون مبرر، لكن إذا لازم هذا العدول أفعالا مستقلة تكون قد ألحقت ضررا ماديا أو أدبيا بأحد المخطوبين، كانت هذه الأفعال موجبة للضمان باعتبار أنها أفعال ضارة بذاتها، باعتبار أن كل وعد كان سببا في تصرف الموعود بما ألحق به من ضرر فيه معنى التغرير بالموعود له، يوجب الضمان. وقال السنهوري: أن القضاء في مصر انتهى إلى المبادئ الثلاثة الآتية بعد أن كان مضطربا بين الحكم بالتعويض للمعدول عنه وبين عدم الحكم.

1- الخطبة ليست بعقد ملزم.

2- مجرد العدول عن الخطبة لا يكون سببا موجبا للتعويض.

3- إذا اقترن بالعدول عن الخطبة أفعال ألحقت ضررا بأحد الخطيبين، جاز الحكم بالتعويض على أساس, المسؤولية التقصيرية.

  والحق أن هذه المبادئ عادلة تتفق مع روح الشريعة الإسلامية التي قرّ رت أنه لا ضرر ولا ضرار، وأن الضرريزال، كما يتفق مع مبدأ إساءة استعمال الحق، فيكون التعويض في الحقيقة ليس عن مجرد العدول عن الخطبة الذي هو حق مقرر لكل من الطرفين وإنما عن الضرر الناشئ من أفعال صاحبت العدول أو سبقته فتدخل المسألة في التغرير الموجب للضمان..

ا-الضرر المادي: كترك المرأة وظيفتها بتحريض من الخاطب، لتتفرغ لشؤون البيت بعد الزواج، أو القيام بإعداد الجهاز اللازم بإيعاز منه. أو تفويت فرصة استكمال الدراسة استجابة لطلبه.

فإذا كان للطرف الآخر دخل فيه، حصل منه حكم التعويض، لأن الضرر الذي لحقه كان بسبب التغرير،فيوجب عليه الضمان، أما إذا لم يكن للطرف الآخر دخل فيه ولم يقم بتغريره، فلا ضمان على الطرف الآخر. كما أن المبرر الذي دفعه للعدول له دخل في التعويض من عدمه؛ كأن يتوفى أحد الخطيبين أو اعتنق أحدهما غير الإسلام بعد الخطبة، أو اكتشف مانع من موانع الزواج بحيث لو علم من قبل لما تمت الخطبة؛ كأن يتبين أن المخطوبة أخت الخاطب من الرضاع، أو لارتكاب أحدهما فعلا مخلا شنيعا أدى به إلى دخول السجن(السرقة ،القتل،....)، فهذه المبررات ومثلها لا دخل لإرادة الطرف الآخر في عدم تنفيذه ومن ثم فلا ضمان عليه.

ب-الضرر المعنوي: وهو ما يصيب الشخص في شرفه أو عرضه، كالقذف وهتك العرض والتشهير وتشويه السمعة بما يمس كرامة الإنسان.

 

ثامناُ: ما حكم الهدايا المسلمة إلى الخاطب أو المخطوبة؟

   ذهب المالكية إلى أن العدول إذا كان من الخاطب، فليس له أن يرجع شيء مما أهداه إلى مخطوبته، حتى ولوكانت الهدايا موجودة قائمة، أما إذا كان الرجوع من جهتها، فللخاطب أن يرجع عليها بما أهداه لها إنكان قائما أو قيمته إن كان هالكا أو مثله.وهذه الأحكام تسري في حالة عدم وجود شرط أو عرف ينافي ذلك.وذهب الحنفية إلى استرداد الهدايا متى لم تستهلك قياسا على الهبة، فلو كانت الهدية مأكولات فاستهلك لباس فأخيط ....فهذه الهدايا لا يسترد منها شيئا، لفوات عينها أصلا.وذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز استرداد الخاطب ما أهداه إلى مخطوبته أو العكس، وعدت من ضمن هبات الثواب التي يحق لصاحبها طلب ردها متى لم يتحقق ذلك المقابل.

    أما بالنسبة للصداق فالفقهاء مجمعون على استرداد الخاطب ما دفعه من مهر إلى مخطوبته إن كان موجودا بعينه أو قيمته إن كان قيميا، أو مثله إن كان مثليا، أو بدله إن اشترت به مصوغات أو مجوهرات،دون النظر لمن كان فسخ الخطبة من جهته، وذلك لأن المهر من متطلبات الزواج لا من متطلبات الخطبة،لأن المرأة لو طلقت قبل الدخول، ليس لها إلا نصفه لقوله تعالى: ﴿وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم﴾. البقرة/ 237 وقد بينت المادة 5 أحكام الهدايا في حالة العدول عن الخطبة كما يلي:

 (لا يسترد الخاطب شيئا مما أهداه إن كان العدول منه وعليه أن يرد للمخطوبة مالم يستهلك مما أهدته إياه إذا كان قائما أو قيمته وإن كان العدول من المخطوبة فعليها أن ترد للخاطب مالم يستهلك من الهدايا أو قيمته).

  فالمادة القانونية نصت على أن العدول إذا كان من الخاطب فلا يسترد ما أهداه للمخطوبة ورد ما أهدته إياه إذا كان قائما أو قيمته. موافقا في ذلك ما ذهب إليه المالكية في حالة كون الهدايا لا زالت قائمة،وأخذ برأي الحنفية في حالة استهلاكها.أما بالنسبة للمهر فلم يتعرض له المشرع الجزائري في حالة ما إذا دفع الخاطب المهر كله أو بعضه أثناءالخطبة وحدث عدول من الطرفين أو أحدهما، ولعل المشرع الجزائري قد نظر إلى أن عادات المجتمع الجزائري متعارف عليها في أن المهر يدفع بعد أو أثناء العقد وليس أثناء الخطبة، وبالتالي لم ينص على هذه الحالة.

  ونصت مدونة الأحوال الشخصية المغربية في المادة الثامنة على "أن لكل من الخاطب والمخطوبة أن يسترد ما قدمه من هدايا، مالم يكن العدول عن الخطبة من قبله.ترد الهدايا بعينها، أو بقيمتها حسب الأحوال" ونصت المادة التاسعة على أنه إذا قدم الخاطب الصداق أو جزء منه، وحدث عدول عن الخطبة، أو مات أحد الطرفين أثناءها، فللخاطب أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائما، وإلا فمثله أو قيمته يوم تسلمه.

   أما المشرع التونسي فقد نص على حكم الهدايا بقوله:" لكل واحد من الخطيبين أن يسترد الهدايا التي يقدمها إلى الآخر، مالم يكن العدول من قبله أو وجد شرط خاص". أما بالنسبة للمهر فلم يتعرض له القانون التونسي كذلك، وعلى عكس القانون السوري الذي نصّ في الفقرة ) 1 من المادة 4 ( على أنه إذا دفع الخاطب المهر نقدا، واشترت المرأة به جهازا ثم عدل الخاطب فللمرأة الخيار بين أن تردّ الجهاز نفسه أو مثله نقدا، ونصّ في الفقرة ) 2( على أنه إذا عدلت المرأة فعليها إعادة المهر أو قيمته، وهو أيضا نفس ما تضمنته المادة الرابعة من قانون الأحوال الشخصية الكويتي.

   وفي مصر جرى العرف تقديم الشبكة ولا يتم الزواج إلا بها، فإذا تمّ فسخ الخطبة لأي سبب وجب ردّ الشبكة إذا كانت قائمة أو بدلها إن هلكت، والراجح أن الشبكة الآن تأخذ حكم المهر لأن كثيرا من الناس يتفقون عليها في العقد، وهذا يخرجها عن دائرة الهدايا ويلحقها بالمهر. ووجوب رد ما قدمه الخاطب من مهر عينا، أورد مثله أو قيمته نقدا يوم قبضه، ينسجم مع ما اتفق عليه الفقهاء.

تاسعاً: ماذا يقصد بالزواج في اللغة والاصطلاح ؟

   يعتبر الزواج أحد أهم دعائم بناء الأسرة، ويظهر ذلك من خلال قيام علاقة زوجية بين رجل وامرأة على الوجه الشرعي أساسها المودة والرحمة والتعاون، وهذا لضمان استمرار الأسرة، وعليه يبقى الزواج من أسمى العقود لأهميته البالغة في حياة الأفراد بما يضمن بناء مجتمعات أسرية تكفل قيام الأمة بكاملها، وعليه سنحاول تعريف الزواج, لتعريف الزواج نتطرق إليه في اللغة أولا ثم في الاصطلاح ثانيا.

اولا: لغة الزواج في اللغة يعني الازدواج ،والاقتران، والمخالطة، والارتباط ،والزوج البعْلُ والزوجة، وخلاف الفرد،ويقال للاثنين هما زوجان وهما زوج، والأزواج القرناء ،وتزوَّجه النوم خالطه، والمزاوجة الازدواج .

النكاح لغة من الفعل نكح ينكح نكحا وهو البُضع، ويُجرى مجرى التزويج ،وامرأةٌ ناكِحٌ ،أي ذات زوج 1 ويدل أيضا على مقارنة شيء لشيء، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾ 2.

ثانيا: اصطلاحا ونتطرق إلى تعريف الزواج في الاصطلاح القانوني ثم الفقهي.

-الزواج في الفقه الإسلامي: لم يغفل الفقه الإسلامي هو الآخر موضوع الزواج حيث تعددت تعاريف الفقهاء للزواج وتقاربت نذكر منها:عرفه محمد أبو زهرة بأنه "عقد يفيد حل استمتاع كل من العاقدين بالآخر على الوجه المشروع" أو هو "عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وتعاونهما، ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات".


عاشراً: فيما تتمثل أركان الزواج وشروطه في القوانين  العربية المقارنة؟

   قام الزواج في العصور الأولى على الرضا المتبادل بين الزوجين، ثم صار في ظل الشرائع السماوية يحظى بشروط تحرص على قيامه صحيحا، و قد كانت الشريعة الإسلامية الأدق في تحديد أركان و شروط عقد الزواج تحديدا دقيقا نافيا للجهالة، لرفع الزواج عن كل ما من شأنه أن يفسده أو يؤدي إلى إبطاله. وقد اهتمت الشريعة الإسلامية و كذا قوانين الأسرة المغاربية بتحديد أركانه و شروطه، حرصا منها على إظهارا لأهميته في حياة الأسر و المجتمعات المسلمة . منه سأتطرق لأركان الزواج و شروطه.

1-أركان عقد الزواج:

   نجد أن قوانين الأسرة المغاربية اختلفت فيما بينها في تحديد أركانه و شروطه، فاعتبر المشرع الجزائري و المغربي و التونسي و الليبي الرضا ركنا أساسيا في الزواج على اعتبار أنه النقطة المتفق فيها بين المذاهب الفقهية، و جعلت الضوابط المختلف فيها شروطا ، فيما حدد المشرع الموريتاني أركانه في الزوجين و الولي و الصداق و الصيغة.

تعريف الركن: هو جانب الشيء القوي الذي يتوقف عليه وجوده ويكون جزء ماهيته وإذا إنتفى ىإنعدم وجود الشيء.

أركان عقد الزواج في الفقه الإسلامي:

عند المالكية: الزوج، الزوجة، الصداق، الصيغة.

عند الشافعية: رضا الزوجين، ولي الزوجة، الصيغة، الشاهدان.

عند الحنفية وبعض الحنابلة: يقتصر ركن الزواج في صيغة الإيجاب والقبول والتي بها يبرم العقد.

    ركن الرضا :

يشكل ركن الرضا قوام عقد الزواج، فلا ينعقد صحيحا إلا برضا طرفيه رضاء كاملا لا إكراه فيه.وقد اعتنت بعنصر الرضا كل التشريعات المغاربية، حيث اعتبرته ركنا أساسيا في العقد، فجعله كل من المشرعين الجزائري و المغربي ركنا وحيدا في عقد

الزواج، بل و أدرجه المشرع المغربي ضمن تعريف الزواج الذي صار "ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة... "  ،وعلى نفس النهج سار مشرع قانون الأسرة الجزائري في تعريف الزواجولا تكفي أن توجد الإرادة وأن تتجه إلى إحداث أثر قانوني وأن يعبر عنها في العالم الخارجي، كما يشترط أن يكون التراضي صحيحا و خاليا من عيوبه.

التعبير عن الرضا بالزواج

التعبير عن الإرادة هو مظهرها الخارجي، ويتم ذلك بإتباع إحدى سبل التعبير عن الإرادة بالكلام أو بالكتابة أو الإشارة صراحة أو ضمنا.

و التعبير عن الرضا بالزواج يكون بتبادل الإيجاب والقبول، وذلك باستعمال عبارات تدل عليه، تعد صيغة للتعاقد.

- الإيجاب والقبول:

    نص المشرع الجزائري على الإيجاب و القبول من خلال الفقرة الأولى من المادة 10 من قانون الأسرة الجزائري، و المغربي في المادة 10 من مدونة الأسرة ، و الموريتاني في الفقرة الأولى من المادة 26 من مدونة الأحوال الشخصية، و الليبي في الفقرة أ من المادة من قانون الأحوال الشخصية الليبي مبينا شروطه في الفقرة الموالية، فيما لم يفصل المشرع التونسي في المسألة.

الإيجاب: "الإيجاب هو تعبير لازم بات عن إرادة شخص يتجه به إلى شخص آخر يعرض عليه رغبته في إبرام عقد معين بقصد الحصول على قبول هذا الأخير، فإذا حصل عليه انعقد العقد،

القبول: "هو تعبير بات عن الإرادة يصدر ممن وجه إليه الإيجاب، ويترتب عليه، إذا تطابق مع الإيجاب، أن ينعقد العقد. وبعبارة أخرى إن القبول هو التعبير الثاني الذي يتكون العقد من اقترانه بالتعبير الأول وهو الإيجاب.

و للإيجاب والقبول صيغة يصدران بها وتنتج آثارها إذا وردت صريحة، بأن تكون شفاهة أو كتابة أو إشارة متداولة عرفا، أو باتخاذ موقف لا يدع مجالا للشك في اتجاه النية لإبرام عقد الزواج، و هو ما ورد في الفقرة الأولى من المادة 10 من قانون الأسرة

الجزائري، و المادة 10 من مدونة الأسرة المغربية، و المشرع الموريتاني في الفقرة الأولى من المادة 26 من مدونة الأحوال الشخصية، و كذا الفقرتين أ و ب من المادة 11 من قانون الأحوال الشخصية الليبي.

    ويجوز في الإيجاب إذا كان عن طريق الكلام أو الكتابة أن يصدر بصيغة المضارع وأن يصدر القبول بصيغة الماضي، شريطة وجود قرينة تدل على إرادة المتعاقدين في إنشاء عقد الزواج في الحال على أن لا تتم هذه الصيغة بالوعد بالزواج، والقرينة المقصودة هنا قد تتمثل في دعوة بعض الأشخاص لحضور مجلس العقد. كما يجوز أيضا أن يكون الإيجاب والقبول إحداهما بصيغة الأمر والآخر بصيغة الماضي، كأن يقول الرجل الراغب بالزواج "زوجيني نفسك" وتقول المرأة "زوجتك نفسي" أو "تزوجتك" أو "قبلت الزواج منك".

    هذه الصيغ ينعقد بها الزواج في حالة اتحاد مجلس العقد، أي في حالة التعاقد بين حاضرين في مجلس عقد واحد وقادرين على الكلام، فبالنسبة لهذه الحالة لا يكون التعاقد إلا بالصيغة اللفظية المتمثلة في الكلام، أما في حالة عجز أحد المتعاقدين أو كلاهما على الكلام فإنه يصح منهما الإيجاب والقبول طبقا للفقرة الثانية من المادة 10 من قانون الأسرة الجزائري بكل ما يفيد معنى النكاح لغة أو شرعا، كالكتابة والإشارة المعلومة." على أنه لا يصح العقد بالإشارة ممن يحسن الكتابة، لأن الكتابة أبين في الدلالة، فإنه من يستطيع الأعلى لا يقبل منه الأدنى" ، و هو ما يتطابق مع ما نص عليه المشرع المغربي في الفقرة الثانية من المادة 10 من المدونة،و المشرع الليبي في الفقرة ج من المادة 11من قانون الأحوال الشخصية الليبي. والصادر منه الإيجاب أو القبول بالإشارة يصح رضاه إذا كانت الإشارة مفهومة أو متداولة عرفا، وإذا كان الشخص من ذوي العاهتين، كأن يكون أصما أبكما أو أصما أعما أو أبكما أعما وتعذر عليه التعبير عن إرادته في الزواج، و هو ما جاء في نص الفقرة ج من المادة 11 من قانون الأحوال الشخصية الليبي، و الفقرة الثانية من المادة 24 من مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية.

-انعقاد الزواج بتطابق الإرادتين :

   عقد الزواج من العقود الرضائية، فالرضا هو المكون لعقد الزواج، يتم بالإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر، فلا بد من أن يبدأ أحد الطرفين بالإيجاب، ثم لابد من أن يقترن به قبول من الطرف الآخر، وأن يتطابق معه، ولتطابق الإرادتين شروط عديدة تتمثل في:

أولا:اتحاد مجلس العقد .

ثانيا:موافقة القبول للإيجاب .

ثالثا: عدم رجوع الموجب عن إيجابه قبل القبول.

رابعا: سماع كل من العاقدين كلام الآخر وفهم المراد منه.

   صحة الرضا بالزواج من المسلم به فقها وقانونا أن رضا الرجل والمرأة أول ما يتأسس به عقد الزواج الذي من أهدافه إنشاء أسرة مستقرة على أسس من المودة والرحمة، خاصة وأنه ينبثق عنه مجموعة من الآثار غاية في الأهمية. وما دامت هذه الآثار مشتركة بينهما فإن العلاقة الزوجية التي تجمعهما لا بد أن تكون من البداية مبنية على أسس متينة تتمثل أساسا باقتناع كل منهما بالآخر ورضاه به رضاء سليما حتى يتوافر الرضا بالعقد، لا بد أن توجد إرادة صحيحة في كل من طرفيه، والإرادة يقصد بها أن يكون الشخص مدركا لما هو مقدم عليه ويكون صالحا لصدور الرضا منه، فلكي يكون الرضا بالزواج سليما لا بد من :

1/خلو الطرفين من الموانع الشرعية :

    نص التشريع السماوي والتشريعات الوضعية على الحرمة بين الرجل والمرأة لقوله تعالى في الذكر الحكيم: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم و أخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم الاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن ف إن لم تكونوا دخلتم بهن ف لا جناح عليكم وحلائل أبنائكم. الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما"  والتحريم إما أن يكون مؤبدا أو مؤقتا، وسبب التحريم إما القرابة أو المصاهرة أو الرضاع، فالتحريم المؤبد  بالقرابة يتمثل في أصول الشخص وفروعه، من الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت، وفروع أبويه وفروع أجداده وجداته. أما المصاهرة فيحرم بها مؤبدا، فروع نسائه المدخول بهن ، أصول نسائه، وموطوءات الآباء. والمحرمات بالرضاع تطبق عليهم قاعدة أنه يحرم من الرضاع مؤبدا ما يحرم من النسب. كما زاد المشرع الموريتاني على هذه الحالات التي تكون معها الحرمة مؤبدة حالة الفرقة للعان، و هو ما تفطن إليه في المادة 43 من مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية، فيما لن تنص باقي التشريعات المغاربية على المسألة، راجعين في كل مرة إلى أحكام الشريعة الإسلامية و فق الإحالات المنصوص عليها في الأحكام الختامية من هذه القوانين. والتحريم المؤقت  يشمل تحريم الجمع بين الأم وابنتها وبين الأختين، أو المرأة وخالتها أو عمتها، كما لا يجوز الزواج بمن طلقها طلاقا بائنا بينونة كبرى، إلا أن تتزوج، من غيره ويدخل بها ثم تطلق منه أو يتوفى عنها، ولا يجوز زواج المسلمة بغير المسلم  و هو ما لم يتم التنصيص عليه في مجلة الأحوال الشخصية التونسية، و لا في مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية. كما يحرم مؤقتا زواج المسلم بالمشركة ما لم تكن كتابية، و إن كان هذا الحكم نص عليه كل من المشرعين المغربي و الليبي  غير منصوص عليه في كل من قانون الأسرة الجزائري و مجلة الأحوال الشخصية التونسية و مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية. كما لا يجوز الزواج بزوجة الغير أو المعتدة، وأيضا الزيادة في عدد الزوجات على العدد المسموح به شرعا، و للمشرع التونسي في هذا حكم خاص يقضي بإدراج تعدد الزوجات في خانة التحريم المؤقت، ناصا على هذا المنع من خلال الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية وهو ما يعد مخالفة صارخة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تجيز تعدد الزوجات. كما زاد المشرع الموريتاني سببا آخر للحرمة المؤقتة لا نجد لها مثيلا في باقي التشريعات المغاربية، تتمثل في حالة الإصابة بمرض مخوف، و هو ما نص عليه في البند 2من المادة 44 من مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية.

ا- أهلية المتعاقدين في الزواج :

يندرج عقد الزواج ضمن التصرفات القانونية التي يحتاج أصحابها في إنشائها إلى إدراك تام لما هم مقبلون عليه، خصوصا وأن الزواج تترتب عليه آثار بالغة الأهمية منشأنها تغيير الوضع القانوني للشخص بمجرد إبرامه صحيحا، من أجل ذلك يتعين على  المتعاقدين )الزوجين( أن يكونا مؤهلان تمام التأهيل لذلك مراعاة لهذه الأوضاع حدد المشرع الجزائري سن الرشد بتمام تسعة عشر سنة للجنسين، أما المغربي والتونسي و الموريتاني فقد حددوا سن الرشد بثمانية عشر سنة كاملة  ، فيما حدده المشرع الليبي بسن العشرين، غير مميزين في ذلك بين الذكر و الأنثى. و يمكن النزول عن هذا السن القانوني بناء على ترخيص من المحكمة، يكتسب من خلاله القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد المحددة في هذه القوانين، كافة الحقوق المترتبة عن عقد الزواج، كما يكسبه الترخيص القضائي أيضا أهلية التقاضي في جميع الدعاوى الناتجة عن هذا العقد، و هو ما جاء في المادة 7 من قانون الأسرة الجزائري، و المادة 20 من مدونة الأسرة المغربية، و في الفقرة الثانية من المادة 6 من مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية، و الفقرة ج من المادة 6 من قانون الأحوال الشخصية الليبي.

ب- خلو الرضا بالزواج من عيوبه :

الملاحظ بداية أن المشرع الجزائري لم يأت على ذكر عيوب الرضا بالزواج من خلال قانون الأسرة الجزائري، و لم ينص على الآثار المترتبة عنها محيلا بذلك المسألة للتطبيق اعتمادا على نص المادة 222 من قانون الأسرة التي تحيل بدورها على أحكام الشريعة الإسلامية، و الشأن ذاته عند المشرع التونسي، و الموريتاني،و الليبي، بينما نص عليها المشرع المغربي صراحة من خلال المادة 12 من مدونة الأسرة المغربية التي جاءفيها: " تطبق على عقد الزواج المشوب بإكراه أو تدليس الأحكام المنصوص عليها في المادتين 63 و 66 بعده".

فالغلط والتدليس والإكراه، عيوب من شأنها إبطال الرضا المنشئ للالتزام أو العقد فهي من العيوب التي تخول للشخص الذي وقع ضحيتها إبطال العقد. من ثمة فإن الغلط في الشخص المتعاقد في الزواج أو في صفة من صفاته يترتب عنه عدم اقتران الإيجاب بالقبول، فيجوز للمتعاقد المتضرر وقت إبرام العقد أن يطلب إبطاله، و لم ينص عليه المشرع المغربي في نص المادة أعلاه و أخرجه من دائرة العيوب المشوب بها الإرادة في الزواج. هذا التوجه أخذا عن موقف المالكية الذين قرروا بأن نكاح المكره غير لازم لديهم ويجب فسخه بعد زوال الإكراه حتى لو أجازه المكره، وهو الخلاف الموجود بين حكم المالكية والحكم الذي أضفاه المشرع الأسري بشأن توقف فسخ عقد الزواج على إرادة الزوج المكره. و كمبدأ عام لا يعد المرض من عيوب الرضا بالزواج حتى ولو كان في مرض الموت، على اعتبار أن القانون لم يتطرق لصحة الطرفين في خضم تعداده لأركان الزواج وشروطه.

 

2-شروط الزواج :

اعتنت الشريعة الإسلامية وعلى إثرها قانون الأسرة الجزائري بعقد الزواج عناية فائقة بحيث وضعت له أحكاما ترتفع به عن كل ما قد يحيد بالزواج عن مقاصده، خاصة وأن هذا الأخير يتعلق بالأعراض التي هي في مقدمة دائرة الحماية التي قررتها الشريعة.

وتتجلى مظاهر الحماية في كونها اشترطت في العقد أن يتولى ولي المرأة أمر زواجها فخول له معظم الفقهاء مهمة مباشرة عقد الزواج نيابة عن المرأة. كما تتجلى حماية الشريعة الإسلامية لعقد الزواج من خلال اشتراط الإشهاد على الزواج، لأن يكون علنيا معلوما للناس ولأن لا يكون عرضة للإنكار، كما شرعت الصداق لاإبداء صدق النية في ارتباط الخاطب بالمخطوبة.


أ- شرط الولاية في الزواج

 حافظ قانون الأسرة على الولاية في الزواج رغم أنه أنزلها إلى مرتبة الشرط بعد أن كانت ركنا، كما أنه لم يعتبر الولي ركنا كما كان عليه الحال سابقا، وإنما أعده بمقتضى المادة التاسعة مكرر شرطا في الزواج. كما أنه في ذات الوقت عدل في مفهوم الولاية حينما نص في المادة 11 من القانون نفسه على مايلي: "تعقد المرأة الراشدة زوجها بحضور وليها وهو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخص آخر تختاره". وبه يمكن القول بأن دور الولي في الزواج في قانون الأسرة الجزائري إنما أصبح يقتصر على مجرد الحضور وإبداء الرأي دون أن يلزم بمباشرة عقد الزواج إلا إذا فوضت له المرأة ذلك، والتفويض هنا هو تكريس لواقعنا المعاش، فقد جرت العادة على أن تترك المرأة أمر تزويجها لوليها إحساسا منها بأنها مسؤولة من رجل يتولى حمايتها إلى حين الدخول. غير أن ما يعاب على المشرع الجزائري في هذه المادة هو ذلك التخيير الذي وضعه بشأن صفة الولي في الزواج، فاستعماله لعبارة "وهو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخص تختاره" يحيد بالولاة عن معناها، فهل يعقل أن توكل المرأة أمر تزويجها لشخص لا يربطها به أية قرابة رغم وجود أبيها أو أخيها أو جدها على قيد الحياة لمجرد أن النص القانوني يسمح بذلك، لذلك فإن على المشرع الجزائري الإسراع بتعديل المادة بحيث يحتفظ بالأولياء على سبيل الترتيب لا على سبيل التخيير. و على صعيد قوانين الأسرة المغاربية، اعتبرت مدونة الأسرة الولاية حقا للمرأة الراشدة تمارسه بحسب اختيارها ومصلحتها، إن شاءت عقدت على نفسها، دون حاجة حضور وليها أو حتى موافقته، وإن شاءت فوضت ذلك لأبيها أو لأحد من أقاربها. الشرط الوحيد الذي قيد به المشرع حرية ممارسة الحق في الولاية ينحصر في الرشد، فالراشدة وحدها من تملك هذا الحق،  و هو ذات اتجاه المشرع التونسي أما المشرع الموريتاني فقد اعتبر الولاية في الزواج شرط صحة في الزواج و كذلك الحال بالنسبة للمشرع الليبي و إن كان ذلك بصفة ضمنية، فالمرأة لا يمكن لها أن. تعقد زواجها إلا بوليها، وقد حدد كلاهما شروط الولي ووظيفته في عدة مواد  و في جميع الأحوال اتفقت التشريعات المغاربية كلها على وجوب الولاية في حالة ناقص الأهلية كونها تشكل حماية له، كما اتفقت على منع الولي من إجبار أو عضل. المولى عليه على الزواج و لا أن يمتنع عن تزويجها رغم رضاها و بدون مبرر.

 

ب- شرط الإشهاد على الزواج

قد أخذت قوانين الأسرة المغربية برأي الجمهور، فاشترطت الإشهاد على الزواج وقت إبرام العقد وهو ما يستنتج من نصوصها القانونية، إذ نصت المادة 9 مكرر من قانون الأسرة الجزائري على أنه: "يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية:.-شاهدين."، فقررت المحكمة العليا الجزائرية في قرار لها أنه: "...لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل..."بل وتشترط في قرار آخر إلى جانب الإشهاد على الزواج ضرورة إشهارهوإعلانه مفسرة توجهها بكون الإشهار والإعلان يرفع الشبهات والشكوك ومقالة السوء في العلاقة بين الرجل والمرأة بالزواج  و نصت المادة 13 من مدونة الأسرة المغربية على أنه: " يجب أن تتوافر في عقد الزواج الشروط الآتية:. 4- سماع العدلين التصريح بالإيجاب والقبول من الزوجين وتوثيقه."،وفي مجلة الأحوال الشخصية التونسية نص الفصل 3 على أنه: " ويشترط لصحة الزواج إشهاد شاهدين...",كما جاء في المادة 27 من مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية أنه:"يشترط إشهاد عدلين على النكاح"، و نصت المادة 14 من قانون الأحوال الشخصية الليبي على: "يشترط لصحة عقد الزواج حضور شاهدين مسلمين بالغين عاقلين رجلين أو رجل و امرأتين فاهمين أن كلام المتعاقدين مقصود به الزواج."، آخذا بالمذهب الحنفي بشأن جواز شهادة المرأة على النكاح.


 ج- شرط الصداق

الصداق أو المهر مشرع بمقتضى نصوص قرآنية كريمة في قوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن ف آتوهن أجورهن فريضة"  وقوله جل جلاله: "وآتوا النساء صدق اتهننحلة"  ، والنحلة هي العطاء لكون المهر شرع ليكون هدية من الزوج لزوجته، وهي لازمة لزوما متراخيا من غير شطط ولا عنت ولا إجهاد، فالهدية هنا شرعت من أجل تقريب والصداق كحق خالص للزوجة يعد شرطا في عقد الزواج، تناوله فقهاء الشريعة الإسلامية بالتفصيل وأضفوا عليه مجموعة من الأحكام تم تكريسها في قانون الأسرة الجزائري في المادة التاسعة مكرر.

الصداق لغة: هو أصدق صداقا وصداقا وصدقة والجمع صدقات، وقيل هو ما يدفعه الرجل للمرأة في عقد الزواج  أما شرعا فقد اختلف الفقهاء في تعريفه، إذ عرفه البعض منهم على أنه:" المال الذي جعل للزوجة في مقابل الاستمتاع بها"  ، وبهذا المفهوم أخذت المحكمة العليا الجزائرية في قرار لها جاء فيه بأن: " ...محل الصداق هو حل الاستمتاع بينهما، وهو المعقود عليه وفقا لنص المادة 4 من قانون الأسرة..." ، فيما عرفه البعض الآخر بكونه: "ما يقدمه الزوج لزوجته إزاء احتباسها عنده." و قد نصت قوانين الأسرة المغاربية على اشتراط الصداق في عقد الزواج في المادتين 9 مكرر، و المواد من 14 إلى 18 من قانون الأسرة الجزائري، و المادة 13 من مدونة الأسرة المغربية والفصل 3 من مجلة الأحوال الشخصية، فيما اعتبرته مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية ركنا في الزواج من خلال نص المادة 5، و بينت أحكامه في المواد من 14 إلى25 من مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية. أما المشرع الليبي فقد نص على المهر في الفصل الخامس المتعلق بآثار الزواج ، و بالتحديد في المادتين 19 و 20 ، بعد المواد المنظمة لحقوق الزوجة على زوجها، واضعا مجموعة من الأحكام المتعلقة به. الصداق هو ما يدفع نحلة للزوجة من نقود أو غيرها من كل ما هو مباح شرعا وهو ملك لها تتصرف فيه كما تشاء.". يشترط في الصداق أو المهر أن يكون مشروعا حتى يؤدي معناه، فيجب أن يكون الصداق مما يصح تسميته شرعا، وطبقا لذلك يمكن أن يكون كل شيء مقوم بالمال سواء

   كان يدخل في خانة المنقولات أو العقارات قيميا أو مثليا، وفي كل منفعة تقابل بالمال  وأكثر المهور تداولا بين الناس هو دفعه نقدا. و في إطار باقي التشريعات المغاربية التي نصت على وقت منح الصداق نجد المادةمن مدونة الأسرة المغربية، والفصل 13 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية،و المادة من مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية، و المادة 19 من قانون الأحوال الشخصية الليبي.

   وفي هذا السياق قضت محكمة التعقيب التونسية بأنه: "لا يجوز للزوج أن يجبر الزوجة على البناء إذا لم يدفع المهر، ويعتبر المهر بعد البناء دينا في ذمة الزوج ولا يترتب عن  تعذر الوفاء به الطلاق وفقا لنص الفصل 13 من مجلة الأحوال الشخصية..."

   وفي جميع الأحوال فإن الصداق إما أن يحدد وقت العقد وهو المتعارف عليه، وإما أن يسكت عن تحديده، وفي هذه الحالة يعتبر زواج تفويض طبقا للمادة 27 من مدونة الأسرة المغربية  ، ولا يجوز في جميع الأحوال الاتفاق حول إسقاطه لأن ذلك يبطله تطبيقا لما اتجه إليه المجلس الأعلى المغربي في قرار قضى فيه بأن: "عقد الزواج لا يتم إلا بذكر جميع أركانه لقول الإمام خليل: "وركنه ولي وصداق ومحل وصيغة، وعقد الزوجية المدلى به وكذا اللفيف لم يذكر بهما مقدار الصداق ولا اسم الولي، واختلال ركن من أركان النكاح يؤدي إلى بطلان العقد..." أما في التشريع الجزائري فإن عدم ذكر الصداق يفسد العقد فيفسخ قبل الدخول ويصحح بعده بصداق المثل وهو ما نصت عليه المادة 33 من قانون  الأسرة الجزائري، وأخذت به المحكمة العليا الجزائرية.

 

خاتمة :

    يكتسي نظام الأسرة على مر العصور أهمية بالغة باعتباره القاعدة الأساسية لتكوين المجتمعات القديمة و المعاصرة على حد سواء، و لذلك فان كل التشريعات الدولة و الأنظمة المختلفة تعرضت لهذا الموضوع بشكل مفصل حسب طبيعتها و خصوصيتها. كما أن نظام الأسرة يحتل مكانة بارزة في النظام الإسلامي، باعتباره احد الوظائف الأساسية التي يقوم عليها المجتمع. و قد حرصت الشريعة الاسلامية على إبراز و إظهار مكانة و متانة النظام الأسري من خلال تحديد العالقات الأسرية التي تقوم على الزواج كمنطلق لتكوين الأسرة. كما رسمت معالم و أهداف هذا الزواج و إحاطته بسلسلة من الضمانات للحفاظ على العالقات الأسرية من التشتيت و الضياع ، ويكفي أن القران الكريم سمي عقد الزواج بالميثاق الغليظ تعظيما له.


تحميل المقال

 

قائمة المراجع :

1- القران الكريم .

2- الأمر رقم 05-02 ،المؤرخ في 27 فيفري 2005 ،يعدل ويتمم القانون رقم 84-11 ،ا المؤرخ في 09 جوان 1984 ، المتضمن قانون الأسرة، ج. ر. ع 15 ،الصادر في 27//02/2005

3- مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية.

4- الرشيد بن شويخ، الأحكام الثابتة والمتغيرة في قانون الأسرة الجزائري، رسالة لنيل شهادة دكتوراه دولة في القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة سعد دحلب، البليدة،  السنة الجامعية 2001

5- مدونة الأسرة المغربية.

6- قانون الأحوال الشخصية الليبي.

7- مجلة الأحوال الشخصية التونسية.

8- أحمد ابن فارس بن زكريا،معجم مقاييس اللغة،ج 5،دار الفكر للطباعة والنشر،دمشق، 1979 .

9- الفيروز آبادي محمد بن يعقوب ، القاموس المحيط ، ط 8 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت، لبنان ،2005.

-10الغوثي بن ملحة، قانون الأسرة على ضوء الفقه والقضاء، ط1 ،ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005.

 -11 عمر سليمان الأشقر، أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، ط1 ،دار النفائس، عمان، الأردن، 1997.

-12 محمد أبو زهرة، الأحوال الشخصية، ط2 ،دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1984.

13 -محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح،ج 1، دار الكتب العلمية بيروت،1990.

14-زين الدين بن محمد بن نجم، النهر الفائق شرح كنز الدقائق، دار الكتب العلمية، بيروت، 2002.

-15مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص تخصص: قانون الأسرة "الأهلية في عقد الزواج" الطالبة: بوفنش خديجة و فيالة هاجر جامعة محمد الصديق بن يحي جيجل كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الحقوق السنة الجامعة: 2016/2017.

- اعداد: الدكتورة/ سميرة عبدو مطبوعة في مقياس قانون الأسرة المقارن كلية العلوم ا إ لسلامية  قسم الشريعة ا لتخصص: الفقه المقارن و أ أصوله

- محاضرات  في مقياس قانون الأسرة المقارن  المحاضرة الثالثة: انعقاد الزواج) الأركان و الشروط (كلية جامعة سعد دحلب، البليدة، السنة الجامعية 2021\ 2022. 

إحذر انتهاك حقوق الملكية لهذا الموقع.