-->

جريمة السب في القانون الجزائري.

حجم خط المقالة

 

جريمة السب في القانون الجزائري.

الباحثة: بركات نهال.

مقدمة:

    السب هو إحدى الجرائم اللفظية كونه يمس ويخدش شرف وإعتباروكرامة الأشخاص بتعابير مشينة وخادشة للحياء سواء كان علني أو غير علني. وهو مظهر للسلوك السلبي والمنحرف لمرتكبيها، أصبحت هاته الجريمة من أخطر الجرائم المتفشية والمتواجدة في مجتمعنا الجزائري اليوم، الذي لم يتقبل فكرة إنتهاك حرمته وخصوصيته وشرفه كونه مجتمع متدين ومحافظ. على الرغم من معالجة المشرع الجزائري لها سابقا ضمن قانون العقوبات، إلا أن النص إحتوى على على فراغ قانوني سمح لها بالإنتشار السريع في الآونة الأخيرة بطرق ووسائل مختلفة، لكن الضرر يبقى واحد. مما أدى إلى تدخل المشرع من خلال تعديله لقانون العقوبات وذلك بإدراج مادة جديدة تشدد عقوبه هذا النوع من الجرائم المرنة والتي تخضع للسلطة التقديرية للقاضي حماية للأفراد من إعتداءات الآخرين وضمانا لحقوقهم، من هنا سنقوم بتسليط الضوء على الجانب الموضوعي لجريمة السب، من خلال الإجابة على الإشكالية التالية: إلى أي مدى وفق المشرع الجزائري في معالجة جريمة السب وفقا لقانون العقوبات؟

أولا: مفهوم جريمة السب.

1. التعريف اللغوي: يعرف بأنه الشتم، سب، يسب، سب غيره، شتمه شتما وجيعا.

1- تعريف السب العلني.

يعرف السب إصطلاحا بأنه: خدش لشرف الشخص وإعتباره، عمدا دون أن يتضمن ذلك إسنادا معين، بإسناد العبارات القبيحة والفاحشة واللفظ الجارح المشين.

أما بالنسبة لمعناه القانوني: فيقصد به كل تعبير مشين يتضمن إحتقارا أو قدحا بشرف وسمعة وإعتبار الأشخاص من عبارات مشينة. ذلك حسب نص المادة 297 من قانون العقوبات الجزائري:" يعد سبا كل تعبير أو عبارة تتضمن تحقيرا أو قدحا لا ينطوي على إسناد أية واقعة".

2- تعريف السب غير العلني. 

يعرف السب غير العلني قانونا على أنه: يعتبر مخالفة تتحقق في حق كل من قام بإبتدار أحد الأشخاص بألفاظ السب غير العلنية، دون أن يكون قد إستفزه. المشرع الجزائري قد نص على ذلك في المادة 463 فقرة 02 من قانون العقوبات الجزائري:" يعاقب بغرامة من 30دج إلى 100دج ويجوز أن يعاقب أيضا بالحبس لمدة ثلاثة أيام على الأكثر:

2- كل من إبتدر أحد الأشخاص بألفاظ سباب غير علنية دون أن يكون قد إستفزه".

3- الفرق بين المصطلحات المتشابهة.

أ- الفرق بين السب والقذف والتشهير.

السب معناه الشتم كما سبق الذكرأعلاه. أما القذف هو إسناد فعل محدد يعد جريمة يستوجب عقاب من أسند إليه أو إحتقاره عند أهل وطنه، على أن يكون هذا الإسناد تم بصورة علنية وعمدا. يكمن الإختلاف بين الجريمتين من حيث الفعل المكون للجريمة. أما التشهير هو الإساءة لسمعة شخص وذلك في غيابه أمام الآخرين أو بواسطة وسائل التواصل الإجتماعي.

ب- الفرق بين السب العلني والغير العلني.

- السب العلني يعتبر جنحة، أما السب غير العلني يعتبر مخالفة.

- السب العلني سهل الإثبات، أما السب غير العلني يصعب فيه الإثبات.

- السب العلني يشترط العلانية، أما السب غير العلني لا يشترط العلانية.

ثانيا: أركان جريمة السب.

1- الركن المادي لجريمة السب.

يتحقق الركن المادي هنا، بإسناد صفة أوعيب أولفظ مشين وذلك علانية. النشاط الخادش للشرف أو الإعتبار، تحديد الشخص المجني عليه سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو معنويين. من شروط السب أن يتم دون إسناد واقعة معينة إلا أنه قد يتحقق بإسناد عيب معين دون تعيين واقعة. العلانية لم يرد صراحة في نص المادة 297 من قانون العقوبات الجزائري أن يقترن فعل السب بالعلانية.

2- الركن المعنوي لجريمة السب.

جريمة السب هنا يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي العام، أي تنصرف إرادة الجاني نحو تحقيق وضع إجرامي معين، وذلك بتوافر عنصريه العلم والإرادة.

 ثالثا: أنواع وعقوبة جريمة السب.

تنقسم جريمة السب إلى أربعة أنواع: جريمة السب العلني، جريمة السب غير العلني، جريمة السب الإلكتروني.

1- عقوبة جريمة السب العلني (الجنحة).


       يعاقب على السب الموجه للأفراد بالحبس من شهر(1) إلى ثلاثة (3) أشهروبغرامة من 10.000دج إلى 25.000دج حسب ما نصت عليه المادة 299 من قانون العقوبات الجزائري.
       يعاقب على السب الموجه إلى شخص أو أشخاص منتمين إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو إلى دين معين يعاقب الجاني من 05 أيام إلى 06 أشهر وبغرامة من 5.000دج إلى 50.000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين حسب ما ورد في نص المادة 298 مكرر من قانون العقوبات الجزائري. 
       يعاقب على السب الموجه لهيئات ورئيس الجمهورية بغرامة من 100.000دج إلى 500.000دج وفي حالة العود تضاعف الغرامة، نصت على ذلك المادة 144 مكرر و146 من قانون العقوبات الجزائري. كذلك يعاقب بالسب على السب الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم أو بقية الأنبياء أو الإستهزاء بالدين الإسلامي بالحبس من ثلاث سنوات(03) إلى خمس سنوات (05) وبغرامة من 50.000دج إلى 100.000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين حسب ما نصت عليه المادة 144 مكرر 02 من قانون العقوبات الجزاري. 
        عقوبة التلفظ بكلمات خادشة للحياء في الأماكن العامة: بعد طرح مشروع تعديل قانون العقوبات على البرلمان بغرفتيه، تمت المصادقة عليه وذلك من خلال إدراج مادة جديدة تدين من يتفوه بكلمة خادشة للحياء في الأماكن العامة، وهذا نظرا لأهمية ضبط الأفعال والسلوكيات لحماية القيم والمبادئ الإجتماعية السائدة في المجتمع الجزائري، أصبحت العائلات لا تستطيع الخروج بأمان وراحة لما يتعرضون له من سماع كلمات سيئة وشتم في الشارع الجزائري خاصة والمرافق العامة الأخرى عامة، إستوجب ذلك تدخل من طرف المشرع الجزائري، حيث إستحدث مادة جديدة لردع ومحاربة مرتكبي هذا الفعل وشدد العقوبة طبقا لما نصت عليه المادة 333 مكرر 08 على:" يعاقب بالحبس من شهرين (02) إلى ستة (06) أشهروبغرامة مالية من 50.000دج إلى 100.000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين كا من قام بفعل أو تلفظ بقول خادش للحياء في مكان عمومي". لتحريك الدعوى يكفي أن يقوم الضحية بتقديم شكوى مع توفر الشهود لإثبات الفعل على مرتكبي مثل هاته الجرائم.

2- عقوبة جريمة السب غير العلني (المخالفة).  

  يعاقب على مخالفة السب غير العلني بغرامة من 30دج إلى 100دج ويجوز أن يعاقب أيضا بالحبس لمدة 03 أيام على الأكثر ويباح السب غير العلني في حالة الإستفزاز حسب ما ورد في المادة 463 فقرة 02 من قانون العقوبات الجزائري.

3- عقوبة السب الإلكتروني. 

يكون ذلك إما بالسب في المواقع الإلكترونية، أو بالسب عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي (السوشل ميديا) والأنترنت. وتتمثل في البريد الإلكتروني، غرف المحادثات ومجموعات الأخبار. إن الإنتشار الواسع لمواقع التواصل الإجتماعي وفتح الجميع لحسابات والتي تكون أغلبها بأسماء مستعارة وبمعلومات لا أساس لها من الصحة، مزيفة تماما وهذا ضمانا لعدم القدرة على تحديد هوية مستخدميها. إن سهولة الإستخدام، العالمية، الآنية، التفاعل، السرعة و المجانية كل هاته الخصائص ساعدت على تطور وإنتشارجريمة السب. المشرع الجزائري يجرم هذا الفعل حسب نص المادة 144 مكرر من قانون العقوبات:" (معدلة) يعاقب بغرامة من 100.000دج إلى 500.000دج، كل من أساء إلى رئيس الجمهورية بعبارات تتضمن إهانة أو سبا أو قذفا سواء كان ذلك عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح بأية آلية لبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلة إلكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى. تباشر النيابة العامة إجراءات المتابعة الجزائية تلقائيا. وفي حالة العود، تضاعف الغرامة". 

خاتمة: 

     خلاصة القول، أن جريمة السب سواء التقليدية أو بالوسائل الإلكترونية من أخطر الجرائم اللفظية، المتغيرة والمرنة والتي تقع على الأشخاص وتلحق ضرر معنوي بهم، لذلك سعت الدولة الجزائرية للحد من هذه الظاهرة، والتي قامت بتجريم الفعل من خلال قانون العقوبات، ليتدخل المشرع من خلال إدراجه لنص جديد يشدد عقوبة مرتكبي هذا الجرم لكل من يتفوه بكلمات جارحة وبذيئة وخادشة للحياء في مكان عمومي.                                                               تبقى الحلول والآليات لمكافحتها غير سارية المفعول على أرض الواقع، كون المشكل هنا ليس النص القانوني بإعتباره أصلا موجود، بل في آليات التطبيق .                                                                                                           كذلك لابد من الإشارة إلى ضرورة تحديد معايير مظبوطة للتفرقة بين ما إذا كانت هاته الجريمة جريمة قذف أو سب أو تشهير.

قائمة المصادر والمراجع.

1. الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق ل: 08 يونيوا 1966، يتضمن قانون العقوبات الجزائري، الجريدة الرسمية، العدد 49، 1966.

2. محمد الفاضل، الجرائم الواقعة على الأشخاص، جامعة دمشق، مطبعة دمشق، 1962.

3. داود فايز، مدي رفيق، جريمة السب في القانون الجزائري، مذكرة ماستر، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، الجزائر، 2019-2020.

4. محاظرات في مقياس القانون الجنائي الخاص، جرائم ضد الأموال والأشحاص، مقدمة لطلبة السنة الأولى ماستر، تخصص قانون خاص وعلوم جنائية، 2014-2015.